مجدي الهواري: سيرة مخرج ومنتج مصري ساهم في تشكيل ملامح السينما المعاصرة

يُعد مجدي الهواري من أبرز الأسماء في صناعة السينما والدراما المصرية في العقود الأخيرة، حيث جمع بين موهبتي الإخراج والإنتاج، وترك بصمته على عدد كبير من الأعمال التي شكلت الوعي السينمائي لدى جيل كامل من المشاهدين في العالم العربي. امتازت مسيرته بالتنوع والقدرة على المزج بين الطابع التجاري والبعد الفني، مما أكسبه احترام النقاد ومحبة الجماهير على حد سواء. أسهم في صناعة أعمال درامية وسينمائية ذات طابع جماهيري، ونجح في تحويل أفكار بسيطة إلى مشروعات ناجحة على المستويين الفني والتجاري.

النشأة والبدايات

وُلد مجدي الهواري في محافظة قنا بصعيد مصر في 30 يونيو 1970. نشأ في بيئة تقليدية بعيدة عن الأضواء، إلا أن ميوله الفنية ظهرت منذ سنوات شبابه المبكرة، حيث اهتم بالسينما والمسرح، وشغف بعالم الصورة والحكاية المرئية. التحق بالمعهد العالي للسينما، وتخرج منه، حاملاً معه أدوات المعرفة الأكاديمية التي وظفها في مشواره الفني لاحقاً. لم يكن دخوله إلى مجال الإخراج والإنتاج وليد صدفة أو نتيجة محض علاقات، بل كان ثمرة دراسة وتدرج في مواقع العمل الفني المختلفة، بدءاً من العمل كمساعد مخرج، مروراً بتجارب إخراجية مستقلة، ووصولاً إلى الإنتاج.

الانطلاقة الحقيقية

بدأت انطلاقة مجدي الهواري الحقيقية في مجال الإخراج في أواخر التسعينيات، حين أخرج فيلم “جاءنا البيان التالي” (1999) من بطولة محمد هنيدي وحنان ترك، والذي شكّل علامة فارقة في السينما المصرية المعاصرة. امتاز الفيلم بخفة الظل والابتكار في الفكرة والإخراج، حيث قدّم قالباً كوميدياً جديداً كان نادراً في تلك الفترة. حقق العمل نجاحاً تجارياً كبيراً، مما جعل اسم مجدي الهواري يبرز كواحد من المخرجين الجدد الواعدين في الساحة.

تلى ذلك مجموعة من الأعمال التي عكست تنوع الهواري وقدرته على التأقلم مع متغيرات السوق والجمهور، ومن أبرزها:

• فيلم “اللمبي” (2002): الذي أطلق النجم محمد سعد إلى آفاق النجومية، وكان لمجدي الهواري دور محوري في صياغة الشكل الكوميدي المختلف للفيلم، ما جعله ظاهرة ثقافية ومجتمعية تجاوزت حدود دار العرض.

• فيلم “هو في إيه؟” (2002): عمل جمع بين الكوميديا والرومانسية، وأكد قدرة الهواري على إدارة النصوص متعددة الطبقات.

التحول إلى الإنتاج والتوسع في العمل

لم يكتفِ مجدي الهواري بدور المخرج، بل أسس لنفسه مكانة كمنتج، حيث أسهم في تمويل وإدارة عدد من الأعمال التي تركت أثراً كبيراً في المشهد الفني المصري والعربي. امتاز كمنتج بحسن اختيار النصوص والمواضيع القريبة من الجمهور، كما كان يتمتع ببُعد نظر في توقع توجهات السوق وتوجهات الجمهور.

في هذا السياق، قام بإنتاج أعمال درامية مهمة مثل مسلسل “الزوجة الرابعة” (2012)، الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب تناوله لموضوع تعدد الزوجات في المجتمع المصري، وتقديمه بشكل ساخر وجريء، مما دفعه إلى صدارة نسب المشاهدة في وقت عرضه.

بصمته في المسرح: مسرح مصر ومشروع كايرو شو

أحد أبرز التحولات النوعية في مسيرة مجدي الهواري كانت مساهمته الفاعلة في إعادة إحياء المسرح المصري من خلال الشراكة في مشروع كايرو شو، وهو كيان فني يهدف إلى تطوير المسرح المصري المعاصر وفق معايير حديثة، سواء من حيث الإنتاج أو التوزيع أو الأداء الفني.

من أبرز ما قدّمه في هذا الإطار مسرحية “علاء الدين” من بطولة أحمد عز، والتي عُرضت لأول مرة عام 2019 وحققت نجاحاً جماهيرياً واسعاً. مثّل هذا العمل نقلة نوعية في المسرح الاستعراضي العربي، حيث تم توظيف تقنيات حديثة في الإضاءة والمؤثرات الخاصة، ما جعله يشبه العروض المسرحية العالمية. كانت المسرحية جزءاً من مشروع الهواري الأوسع لإعادة المسرح إلى صدارة المشهد الثقافي في مصر، وقد لاقت استحساناً نقدياً كبيراً.

التعاون مع كبار النجوم

على مدار مسيرته، تعاون مجدي الهواري مع نخبة من أبرز نجوم الشاشة المصرية والعربية، مثل محمد هنيدي، محمد سعد، أحمد عز، هاني رمزي، وغادة عبد الرازق. هذا التعاون لم يكن فقط مهنياً، بل تجاوز إلى شراكات إبداعية ساهمت في تشكيل ملامح جديدة للدراما والسينما. امتاز بقدرته على توجيه الممثلين بشكل يجعل أداءهم أكثر نضجاً وقرباً من الشخصية، مما جعله مخرجاً مفضلاً لدى العديد من النجوم.

السمة الفنية والخصوصية الإخراجية

ينتمي مجدي الهواري إلى مدرسة إخراجية تؤمن بالموازنة بين الترفيه والرسالة، فهو لا يقدّم الفن كوسيلة للهروب، بل كأداة لفهم الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي. يركّز في أعماله على الإيقاع السريع، ويستخدم الكاميرا كوسيلة تفاعلية مع المشهد لا كمجرد أداة تسجيل. كما يعتمد على أسلوب مونتاج يقرّب المتلقي من النص البصري ويجعل الأحداث أكثر تلاحماً.

يظهر التأثر بالسينما الأمريكية المعاصرة في أعماله، لكنه نجح في تكييف هذه المؤثرات مع السياق الثقافي المصري، فصاغ أعمالاً ذات هوية محلية واضحة رغم استخدام أدوات عالمية.

حياته الشخصية وتأثيرها على مسيرته

تزوّج مجدي الهواري من الفنانة غادة عادل، وشكّل هذا الزواج محوراً من محاور اهتمام وسائل الإعلام نظراً لكونهما من الأسماء اللامعة في الوسط الفني. وقد أثمر هذا الزواج عن عدة أعمال مشتركة، قبل أن ينفصلا لاحقاً في هدوء تام دون خلافات علنية. ورغم الانفصال، ظل الاحترام المهني قائماً بين الطرفين، كما صرّح الهواري أكثر من مرة بأن العلاقة الإنسانية بينهما مستمرة لما فيه مصلحة الأبناء.

تأثيره على تطور الصناعة الفنية في مصر

تجاوز تأثير مجدي الهواري حدود الإخراج والإنتاج إلى المساهمة في إعادة تشكيل البنية التنظيمية للصناعة الفنية في مصر. كان له دور في تعزيز ثقافة الإنتاج الخاص، والابتعاد عن النمط التقليدي في صناعة السينما، إذ كان من أوائل من أدخلوا نمط الشراكات الاستثمارية متعددة المصادر في العمل الفني، ونجح في جعل المسرح والدراما مشاريع ذات جدوى اقتصادية حقيقية.

ساهم في تأسيس شبكة من العروض المسرحية التي تعتمد على الحجز الإلكتروني والإعلانات المدفوعة، ما يعكس فهماً حديثاً لمتطلبات السوق. هذا الفهم ساعده على الاستمرارية والتجدد، حيث لم يتقوقع داخل إطار واحد، بل حرص على التنقل بين المسرح والسينما والتلفزيون بسلاسة.

جدول يوضح أبرز أعماله

الإرث الفني والتأثير الثقافي

يمكن اعتبار مجدي الهواري من الأسماء التي شكّلت، وما تزال، جزءاً من ذاكرة السينما والدراما الحديثة في مصر والعالم العربي. لم يقدّم فقط أعمالاً للعرض المؤقت، بل أعمالاً دخلت في الثقافة الجماهيرية وامتلكت حياة أطول من زمن عرضها. أظهر قدرة كبيرة على استيعاب الأذواق المختلفة، وعلى التوفيق بين المضمون العميق والصياغة الترفيهية، دون أن يقع في فخ الابتذال أو التفاهة.

أعماله تُدرّس اليوم كمادة تحليلية في عدد من المعاهد السينمائية في الوطن العربي، حيث يتم تسليط الضوء على أسلوبه الإخراجي وتناوله الاجتماعي وابتكاراته التقنية.

الخلاصة

شكل مجدي الهواري نموذجاً فريداً في الساحة الفنية المصرية والعربية، حيث دمج بين موهبة الإخراج وبراعة الإنتاج في مسيرة واحدة متكاملة. أسهم في تجديد شكل الفيلم الكوميدي المصري، وكان له فضل في إنعاش المسرح بعد سنوات طويلة من الركود. أثرى الذوق العام بأعمال تمزج بين السخرية الاجتماعية والدراما الإنسانية، وتستند إلى فهم عميق للواقع المصري. إن مسيرته تمثل واحدة من أنجح التجارب التي جمعت بين الحرفة والابتكار، وبين التقاليد والمعاصرة، ما يجعله من الأسماء التي ستظل حاضرة في تاريخ الفن العربي لعقود قادمة.

المراجع:

1. مجلة الكواكب المصرية – أرشيف أعداد 2001-2010.

2. لقاءات مجدي الهواري في قناة CBC وON المصرية، 2018–2023.